من يشعل الفتيل !
دق هاتفه معلناً وصول رسالةٍ جديدة, قرأها بسرعة , لم يكمل تفاصيلها , قام على الفور بإعادة إرسالها مرة أخرى إلى جميع من في القائمة لديه .
( ياللهول! سقوط مقذوفٍ على أرض المملكة ! سيكون سبقاً صحافياً, سيظنون أن لدي علاقاتٍ قوية و مصادرَ على درجةٍ كبيرةٍ من الأهمية) .
لم يهتم وهو يقوم بإعادة إرسال الرسالة بأنها تتحدث عن بقعةٍ من وطنه , وإن جاز لنا التعبير( عِرضِه ) , لم يفكر وهو يضغط زر الإرسال في أنها قد تكون مجرد إشاعةٍ لا تهدف إلا إلى إثارة الشك والفتنة , وزعزعة الأمن والاستقرار, سواء أكانت صحيحةً أم مغلوطة . كان عالماً بتبعاتها أو جاهلاً يتلحف برداء حسن النية , وكما يقول ابن القيم " إن كنت لا تدري فتلك مصيبةٌ وان كنت تدري فالمصيبة أعظمُ ".
وهذا هو ديدن الكثيرين ممن يعيشون على أرض الوطن يتفيّؤُون ظلاله .. وينعمون بخيره وأفضاله ورغم ذلك يكنون له العداء جهلاً واستهتاراً, تساعدهم في ذلك مواقع التواصل الاجتماعي التي جعلت من هؤلاء أدواتٍ تحركها أيادٍ معادية تتربص بالوطن .
ويتضح مدى تأثير هذه المواقع من خلال إحصائيةٍ نشرتها جريدة الرياض في عددها الصادر في السادس من شهر اكتوبر الماضي " تسعون تغريدة في الدقيقة تستهدف أمن المملكة، واللحمة الوطنية، والنسيج المجتمعي، وأكثر من عشرة آلاف حساب في تويتر لإحباط المجتمع السعودي وتشتيت صفوفه، بمعدل 6000 حساب عبر تويتر موجهة ضد المملكة لزرع الفتن داخل المجتمع وبث الشائعات، و 4000 حساب خصصت لإعادة نشر تلك التغريدات "
إلى جانب شائعات الواتساب ومقاطع التندر والسخرية المصممة لأهدافٍ سياسيةٍ وأمنيةٍ ومخططات دولية، تسعى لزعزعة أمن واستقرار المملكة التي تعد الركيزة الأساسية لأمن العالمين العربي والاسلامي.
لقد عرض الدكتور خالد الكردي أستاذ علم الاجتماع في بحثه عن موضوع الشائعات قانونا أساسياً للشائعة وضعه كل من البورت وبوستمان في شكل معادلة جبرية على النحو التالي: شدة الشائعة = الأهمية x الغموض. فالشخص يهتم بنشر الشائعة التي تعنيه والعكس صحيح. لا تكفي الأهمية وحدها في نشر الشائعة إذ يجب أن يصحبها الغموض الذي يحجب الحقيقة ويحقق لها الانتشار المطلوب .
وقد أشار د.محمود الحبيبي مدرس الطب النفسي بكلية الطب جامعة عين شمس إلى أن مروج الإشاعات شخصٌ يعاني اضطراباً في شخصيته واضطراباً في هويته الوطنية يسعي الى لفت انتباه الناس إليه وإرضاء غروره والشعور بالقوة دون أن يعي خطورة ما يقوم به .
وبالرغم من أن تداول الأحداث والأخبار عبر وسائل التواصل الإجتماعي ميزة مهمة لعصرنا الحالي ، إلا أنها في نفس الوقت خطرٌ كامن ونيرانٌ تنتظرمن يشعل فتيلها؛ والتعامل معها لايكون بالتجريم وسن القوانين والمتابعة من قبل السلطات ؛ بل يكون من خلال التعامل الواضح والشفاف من قبل اعلام لا يزال يتخبط أمام الحدث ، وهنا يأتي دور المتحدث الاعلامي الرسمي الذي يتوجب عليه أن يرد على أي خبر مهما كان حجمه أو خطره أولاً بأول , بأسرع وقت ممكن قبل أن تتحول الشائعة الى حقيقة يصدقها الجميع.
فعندما يشعر المواطن بالتعامل الصريح والواضح من قبل السلطات لن يكون للشائعة أدنى تأثير ، وسيكون المواطنون هم خط الدفاع الأول ضد الأخبار الملفقة والكاذبة .
فلا تكن جِسرًا يُعبر به إلى وطنك ، ليُدمّر بك أمنه ويُزعزع بك استقراره وليُقضي بك على ترابطه. ولا تجعل من نفسك قنبلة موقوتة.
فتكن أنت من يشعل الفتيل!